الاثنين، 30 يوليو 2012

المغرب والاستثناء في الربيع العربي؟؟


ان قيادة الملك محمد السادس للمغرب، لم تأتي صدفة أو من فراغ، بل جاءت نتيجة تراكم خبرة ومهارات تمكن من الإلمام بها واكتسابها بعيدا عن الأضواء ووسائل الإعلام، هذه الخبرة والمهارات جمعت بين الخبرة العربية المغربية والخبرة الأوربية فتلاقحت الأفكار في فن القيادة؛ في القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية وولاية العهد التي كانت تحت إشراف والده الملك الراحل الحسن الثاني وما عرف عنه كرجل دولة وقائد سياسي من طراز رفيع خبرته الميادين العربية والدولية والإقليمية، إذ حافظ على استقلال المغرب وسيادته وضمن له علاقات عربية وإقليمية ودولية كانت محط تقدير الجميع. وبذلك تمكن الملك الحسن الثاني ان يغرس معاني السمو الأخلاقي والقيادة في شخصية ولده وان يحمله مسؤوليات كبرى وهو في عنفوان شبابه.. مسؤوليات اكبر من عمره لكنه تحملها بثبات وعزم، ويبدو ان الحسن الثاني كان متحسبا لمستقبل ابنه والدور الموكول له… وفي خضم هذه المسؤوليات كان الملك محمد السادس يؤدي واجباته وينفذها بصمت بعيدا عن أضواء وسائل الإعلام المختلفة، لأنه بوعيه الفطري كان يدرك ان شهرته والعائلة العلوية التي ينتسب إليها كانت قد ملئت الدنيا حضورا إيجابيا وشغلت العالم، وان مايتطلب منه مستقبلا هو المحافظة على هذه المسؤولية في الاستمرارية التاريخية للدولة العلوية (1650م) الضاربة في عمق التاريخ المغربي تجذرا لكن بأفكار جديدة تتلاءم وما يشهده العصر من تحولات في مختلف مناحي الحياة. تدرب الملك محمد السادس في خضم أحداث وتحولات مغربية ومغاربية ودولية صعبة.. ولم يغب عن ذهنه أهمية هذه التحولات لدرجه انه اختار عنوان بحث التخرج في الاجازه في كلية الحقوق في الرباط عام 1985 بعنوان (الاتحاد العربي الأفريقي واسترتيجية المملكة المغربية في ميدان العلاقات الدولية) وكان موفقا في الاختيار، انه أراد ان يوثق بيده وعقله محطة بارزة في تاريخ المغرب السياسي المعاصر، لان هذا الدرس سيكون نقطة وثوب وانطلاق لقراءة دروس أخرى.. كان قريبا من صانع الحدث (والده) وبحسه المرهف استطاع ان يؤرخ اللحظة التاريخية وان يعطيها أكثر صدقيه. لا ننسى ان للشخصية العراقية حضورا في ذاكرة الملك محمد السادس إذ أسهم العراقي الأستاذ الدكتور علي العبيدي رحمه الله في تدريس الملك محمد السادس في كلية الحقوق بالرباط وبذلك فقد جمع الملك الشاب بين مهارات المشارقة والمغاربة وانه لنعم المنهل، فقد أسست له تلك الخبرة الثقافة القانونية التي يسرت للملك محمد السادس استحضار المفاهيم والمعالجات للعديد من القضايا الشائكة التي كان يواجهها المجتمع المغربي فيما بعد. واتساقا مع ذلك أراد الملك الحسن الثاني ان يدرب ابنه على القيادة العسكرية وما تتطلبه مهمات القيادة من مهارات وقدرات ومستوى عال من الضبط؛ كل ذلك من اجل بناء شخصيته، وكما هو معروف فأن مؤسسة الجيش من أجود المصانع في أعداد الرجال والقادة، فتعلم بذلك الملك محمد السادس قيم العسكرية مبكرا فأضافت له هذه بالمحصلة خبرة جديدة أهلته لما هو عليه الآن في امتلاك خاصيات الصبر والصرامة والحسم حين يكون لابد من الاختيار. وبعد ان تيقن الملك الحسن الثاني بأن ولي عهده قد بلغ مستوى عال من القدرة على تحمل المسؤولية، كان فكره يتطلع ان يحصل الملك محمد السادس على تعليم عالي وتدريب في القيادة في مستويات متقدمه في أوربا وكان الخيار الاتحاد الأوربي الذي يحوي تلاقح أفكار شعوب مختلفة، ومن هذه المؤسسة الدولية دخل محمد السادس معترك التاريخ ليخرج اصلب عودا وأكثر نضجا وأقوى مراسا، كل ذلك كان يتم بمتابعة وأشراف من لدن الملك الحسن الثاني وبصمت، لدرجة ان البعض كان يهمس ان الملك الحسن الثاني لم يعطي دورا لابنه كي لايسرق الأضواء منه والخشية منه وهو في مقتبل شبابه؛ كانوا يصدرون ذلك باستنتاجات، وكان الحسن الثاني يهزأ بها لتقديره ان المعروف لا يعرف وان المستقبل الذي ينتظر الملك محمد السادس لن تغيب فيه سطوة الإعلام. وعلى مر هذا التاريخ تميز الملك محمد السادس بالحكمة والفكر الناضج فكان ولي عهد حكيم وعندما توفي والده رحمه الله في 23/7/1999 تولى الملك من بعده عن استحقاق وجدارة وبطريق مشروع، إذ لم تواجهه أي مشكلة أو صعوبة في اخذ البيعة كما واجهت كثيرا من الملوك ،وعندما استلم عرش المغرب في مساء 23/7/1999 كان الملك محمد السادس مؤهلا تأهيلا علميا وثقافيا وسياسيا وعسكريا وإعلاميا، لابل تمرس على السلطة ومارسها في ظل قيادة والده. وبذلك تمكن من اداء دور الملك الشاب المؤهل لقيادة المملكة المغربية وشعبها، وقد انعكس هذه التأهيل على قدرته في قيادة المؤسسة الملكية على مدار ثلاثة عشر عاما كان الإبحار فيها صعبا لكنه اجتاز المحطات الصعبة بثقة عالية بالنفس وحقق انجازات كبيرة في ميادين عدة أبرزها في مجالات حقوق الإنسان وفي مقدمتها حقوق المرأة المغربية ومساواتها بالرجل، كل ذلك كان يتم بالاعتماد على شعبه الذي كان قريبا منه متفاعلا معه صاغيا لآرائه مؤمنا بقدرة هذا الشعب كما كان عبر تاريخه الوطني وفيا لملوكه. وبذلك استطاع الملك محمد السادس ان يواجه رياح ماسمي بالربيع العربي التي هبت على المغرب مطلع عام 2011 بعقلية منفتحة وان يستجيب للمطلب الشعبي بالإصلاح الدستوري والديمقراطي الذي توج بإقرار دستور 2011، علما ان مطالب الحركة الاحتجاجية الممثلة بحركة 20 فبراير- شباط كانت تطالب بالإصلاح الدستوري والديمقراطي وتوفير فرص العمل ولم تطالب برحيل الملك. وهذه خاصية تسجل للمغاربة في التميز كما هو شأنهم في تاريخهم الموغل في القدم، هذا الموقف الوطني المتميز استوعبه الملك محمد السادس وباشر بمعالجته بعقل وحكمة مع قيادات المغرب السياسية وتمكن ان يجنب المغرب ما تعرضت له الدول العربية من تداعيات كبرى وان يحافظ على استقلال المغرب وسيادته ووحدة شعبه، ذلك ما كان ليحصل لولا الوعي والاستجابة الوطنية الأصيلة لشعب المغرب الذي عرف عنه تاريخيا الثبات في المواقف الصعبة مع قيادته والإخلاص لها. ومن هنا يصبح المغرب والملك محمد السادس هم الاستثناء في الربيع العربي وتلك ميزه بارزة جديدة تضاف إلى ماتميز به شعب المغرب من ميزات عديدة في تاريخه الوطني، وهذا ما يؤكد ان للمغرب وضعه الخاص وتجربته (التي لايعلمها إلا أهل الاختصاص) على حد تعبير محي الدين بن عربي رحمه الله. ذ. عبد الرحمان مكاوي استاذ جامعي مختص في الشؤون الاستراتيحية والعسكرية 30 /07/2012 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق