الاثنين، 22 أكتوبر 2012

كتاب قوانين الإعلام في الدول المغاربية: الواقع والتحديات الدراسة الكاملة نشرتها منظمة الايسيسكو في كتاب نهاية سنة 2011

هذه الدراسة إلى وضع اليد على بعض المبادئ الأكثر حضوراً ورواجا في حقل حقوق الإنسان، ألا وهي حرية الرأي والتعبير، وحق الإعلام، وحرية الصحافة. فهي تحاول قراءة هذه المبادئ من خلال قوانين الإعلام والاتصال المغاربية، كيف نظمت فيها؟ وما هي مرجعيتها القانونية الدستورية، سواء عبر ما إلتزمت به المجموعة المغاربية من إلتزامات قانونية دولية من اتفاقيات وإعلانات... إلخ؟ أو ما التزمت به بشأن هذه الحرية وهذا الحق انطلاقاً من دساتيرها القائمة؟ وكيف طال التطور هذا الحق وهذه الحرية من داخل الدساتير نفسها، تبعاً للتحولات السياسية المؤثرة في كل دولة على حدة.

فالحرية تلك والحق إياه شديدا الصلة وثيقا الارتباط بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها البلد المعنى بها، وهي مؤشر ذال وهام، وذا فعالية لقياس هذه الظروف. والتشريع المغاربي للإعلام في الدول محل الدراسة، يتضح خلال رصد خط تصاعده ومنحنى تنازله، مدى تأثره بشروط البيئة السياسية الوطنية، والإقليمية والدولية، ففي غمرة التأثر بنشوة الاستقلال مثلا، وضعت بعض هذه الدول قانونا للإعلام ليبرالي، يكرس التعددية الإعلامية ومن خلالها التعددية السياسية أو العكس، وللتجربة المغربية من خلال قانون 15 نونبر 1958 حضور وازن في هذا الإطار.
وعلى العموم فإن التشريعات الإعلامية في الدول المغاربية على تماس قوي بإكراهات الظرفية السياسية التي في رحمها نشأت قواعده، من داخل هذا البلد أو ذاك، إعتبارا لكون القاعدة القانونية، معبراً ميناً عن الواقع الذي أنتجها، وعليه فإن فهمها، ومعرفة حقيقتها وكنهها لا يكمن في رحم النص أو النصوص التي تنظمها، بل في الشرط السياسي الذي أوجدها. وبناء على هذا، فإن قوانين الإعلام الموضوعة سواء في المغرب أو تونس أو موريتانيا، والتعديلات التي تعاقبت عليها، إن في اتجاه تقييدها، أو في اتجاه انفتاحها، هي متأثرة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وعليه فإن فهمها، ومعرفة قصد المشرع منها لا يدرك انطلاقا من استنطاق النص لأنه جامد وأبكم، بل ينبغي قراءة واستنطاق الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي في كنفها وضع هذا النص القانوني، هناك أمثله كثيرة تحمل في ثناياها بعض هذا التأثير، الذي يطال قوانين الإعلام المغاربية، سواء في اتجاه الانفتاح، أو في اتجاه التقييد.
إن ذاك ما ترشدنا إليه عملية تتبع هذه التشريعات عبر لحظات زمانية مختلفة على النحو الآتي:
1) لحظة الاستقلال إلى حدود بداية السبعينات من القرن المنصرم.
2) لحظة منتصف السبعينات وبداية الثمانيات، إلى بداية السبعينات من القرن المنصرم.
3) لحظة نشوء النظام العالمي الجديد، وما حمله وارتبط به، وسار في ركبة من مفاهيم- الديمقراطية- الليبرالية الجديدة- حقوق الإنسان...إلخ.
انعكست معطيات هذه اللحظات على القوانين الإعلامية للمجموعة العربية المغاربية محل الدراسة، فأثرت عليها في الدفع نحو توسيع مجال انفتاحها بشكل مضبوط متحكم فيه وموزون، فرسم ملامح لحظة جديدة هي الآن قيد التشكل في تطور سريع ومدهل وهي لحظة رابعة.
4) لحظة أضحت في ظلها قوانين الإعلام الموضوعة منذ الاستقلال أو حتى منذ إتباع السياسات الانفتاحية غير قادرة على استيعاب مجمل التحديات التي يطرحها واقع مجتمع العلم والمعرفة، أصبح مطروحاً خلال هذه اللحظة إعادة النظر في قوانين الإعلام بهدف جعلها منفتحة أكثر مما كانت عليه في السابق، وذات حمولة ليبرالية حقيقية. وتحت تأثير هذا المطلب المبتغى، يطرح عادة وبإلحاح تحجيم دور السلطة التنفيذية، في علاقتها بوسائل الإعلام، وفك الارتباط بها فيما يخص المراقبة والضبط والتجريم، وذلك بمنع وإلغاء ما أسند إليها في خلال سنوات الانغلاق من مهام تقيد حرية الإعلام. وتكليف القضاء باعتباره سلطة مفروض فيها أن تكون محايدة بمهمة حجز، وتوقيف، ومنع الصحف، عند ارتكابها لمخالفات تستلزم ذلك. فليس من المعقول أن توكل هذه المهمة للسلطة التنفيذية مشخصة في إدارات وزارة الداخلية، التي ستكون خصماً وحكماً في آن واحد.
وخلال اللحظة الرابعة هذه، ظهرت فكرة فك الارتباط الذي كان ولا يزال، بين قانون الإعلام والاتصال والقانون الجنائي مع التشديد على أن ما يرتكب من مخالفات بموجب وسائل الإعلام ينبغي أن تطبق عليها العقوبات الحبسية والغرامات المالية الواردة في نصوص قانون الإعلام والاتصال ومن تمة فك الارتباط مع القانون الجنائي الذي كثيرا ما يلجأ إلى الاستنجاد ببنوده، حينما يراد تشديد العقوبات على الجرائم المرتكبة عن طريق الصحافة.
هناك إشكال آخر مطروح خلال هذه اللحظة الرابعة، وهو فعلا إشكال أساسي وجوهري، يشدد على الرغبة في تطور قوانين الإعلام والاتصال المغاربية، بغرض استيعاب مختلف التطورات التي عرفها قطاع الإعلام، تزامناً مع الشروط المواكبة للعولمة خلال مطلع الألفية الثالثة. فلا معنى في ظل الظروف الحالية التي تطورت فيها تقنيات ووسائط الإعلام في اتجاه إعلاء هيمنة الإعلام الإليكتروني، وإنسياب الشبكة العنكوبية التي قلبت رأساً على عقب كل المفاهيم والمبادئ والقوانين العتيقة المنظمة للإعلام، أن يهمل تنظيم الإعلام الإليكتروني .
إن الأنترنيت والصحافة الإليكترونية عموماً كدعامات إعلامية جديدة متطورة، لم يعد ما يرتكب بواسطتها من مخالفات وجرائم إليكترونية مستوعية بواسطة قوانين الإعلام التقليدية، إن ما هو مضمن من قواعد في هذه القوانين يضيق عن استيعاب هذه الجرائم الجديدة كل الجدة. فالقوانين إياها غير قادرة ولا كافية على ضبط وحكم الجرائم المرتكبة بواسطة الأنترنيت، كالاعتداء على الحياة الخصوصية للأفراد، والتشجيع على الكراهية والعنف، والإرهاب والمساس بالنظام العام والآداب والأخلاق العامة... الخ.
إننا اليوم أمام صور جديدة من الجرائم المرتكبة بواسطة الشبكة العنكبوتية، وعلى الدعامات الإليكترونية. ولذلك من حقنا أن نتساءل، هل مازالت تكفي تلك العبارات اليتيمة، ومثيلاتها التي نصادفها تتواتر باستمرار في قوانين الإعلام والاتصال المغاربية والتي تقول:"أو كل وسيلة إليكترونية"، كما هو وارد في نص التشريع المغربي في المادة: 38 ومواد أخرى. أو ما نصادفه من عبارات مشابهة في التشريعات الإعلامية لبقية الدول المغاربية. وهي عبارات فضفاضة، قد تعني كل شيء ولا تعني أي شيء، فهل بواسطتها يمكن تحجيم السيل العارم من الإنتهاكات التي تتم بواسطة وسائل الإعلام الإليكترونية؟ أم أننا في حاجة إلى قوانين جديدة تساير ضبط هذه التطورات؟ بل إن ما نجده من قوانين أرادت الدول المذكورة أن تسد بها الفراغ المهول في هذا المجال، هي نفسها غير كافية. وهي قوانين خجولة حد الحشمة، غير قادرة على استيعاب الجرائم المرتكبة بواسطة الأنترنيت. و هكذا فإنه باستثناء ما يتعلق بالتجارة الإليكترونية وبالتعاقد الإليكتروني، يبقى مجال الإعلام والاتصال مهملا في عقل وسلوك المشرع المغاربي، كما في دهن المشرع العربي عموماً.
وخلال هذه اللحظة الرابعة ظهرت محاولات بعض الدول الرامية إلى رفع إحتكارها، على قطاع الإعلام السمعي البصري، وتحريره، وإصدار قوانين لهذه الغاية، هذا الواقع صار يتأكد بتأن وتؤدة. عند منتصف العشرية الأولى من الألفية الثالثة، ظهرت أولى بدايات هذا الأمر في المغرب مابين 2002و2005 وبدأت تعطي بعض نتائجها اليوم، بالخصوص عندما صدرت قوانين لتحرير القطاع، ورفع احتكار الدولة عن السمعي البصري، الذي دام ما يقارب قرناً من الزمن، منذ 1907. وحدت نفس الشيء في موريتانيا خلال سنة 2005-2006، وهناك محاولات في الجزائر وفي تونس.
هذا التحول لازال حدراً وفي بداياته، لكنه على العموم محمل بدلالات معبرة، لا ينبغي إهمالها، وإسقاط مضمونها في الحسبان. ويجب الانتباه إليها كما يجب استحضار سياقها الوطني والإقليمي والدولي.
إن هناك اليوم حاجة ملحة إلى مدونة شاملة لتنظيم حقل الإعلام المكتوب والسمعي البصري، والإليكتروني، وتنظيم وضعية الصحفي المهني، في المجالات المشار إليها، في كل دولة من الدول المغاربية محل الدراسة. كما يجب أن تتضمن هذه المدونات مؤسسات للضبط والمراقبة، للصحافة المكتوبة وللسمعية البصرية. بعضها موجود، لكنه في حاجة إلى مزيد النضج حتى يأخذ مكانته كآليات للمراقبة والضبط، من أجل السمو والرقي بالإعلام المغاربي....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق