الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

بين قوسين: المخزن، " الوحش الثابت غير المتحول في الأحزاب والإعلام "

جاء دستور 2011 ليؤسس لمغرب جديد، مغرب المؤسسات، أي مغرب يقوم على نظام مؤسساتي، حيث السلط مستقلة عن بعضها البعض
، لا يتحكم فيها الا قانون الحق العام، حق الحياة، حق المعلومة، حق الشغل، حق الحرية... هذه الحقوق تتوزع بين السلطة التشريعية واخرى تنفيدية وثالثة قضائية ورابعة اعلامية، وكل هذه السلط محصنة مسيجة بقوانين ومراسيم وظهائر لحمايتها من نفود اللوبيات بل نفود المخزن أو على الأقل بقايا المخزن، وهذا الأخير يبقى جبلا جليديا لا يمكن أن  يديبه كيمياء الأحزاب ولا فيزياء قوة الشارع ليبقى الثابت غير المتحول في الحياة السياسية المغربية، فعلى مر التاريخة السياسي المغربي الحديث لم تستطع اية قوة امنية او سياسية أو اعلامية ان تزحزح أو تغير مسار وقوة هذا الكائن المتضخم في الحياة السياسية المغربية انه الوحش دو الرؤوس المتعددة، فما ان تقطع رأسا حتى تظهر رؤوس أخرى  أكثر سمية وقتالية.
إن صراع المخزن مع الأحزاب السياسية هو صراع الحياة والموت، موت المخزن يبقي الأحزاب على الحياة، وحياة الأحزاب مرهونة بموت المخزن ، الا ان هذا الأخير لا يمكن ابادته او ازاحته من الساحة السياسية لأنه يتلون ويتمدد ويتشكلن في كل رموز الحياة السياسية والقضائية والأمنية والإعلامية، وبذلك يبقى هذا المخزن قائما وحاضرا في كل دواليب الحياة السياسية الوطنية، يظهر في الأحزاب ويستمر في المؤسسات، ويتواصل بين ظلال الإعلام بألوان وتشكيلات مختلفة ، وقد أمكن ملاحظة ذلك من خلال المرحلة الإنتخابية الحالية التي يعيشها الوطن سواء في المرحلة السابقة أو في المرحلة الحالية أو المستقبلية.
إن الإعلام العمومي لا يزال يقدم مادته الإخبارية في شكل نشرات ودعايات اخبارية مخزنية بامتياز شكلا وموضوعا، فالمتتبع للشأن الإعلامي خلال الإنتخابات السابقة ( الغرف المهنية ) تحضر لديه ملاحظات عديدة من الإشارات التي تحيل الى كون الإعلام العمومي ما يزال مخزنيا بامتياز، فوزير الداخلية هو من يقدم للرأي العام الوطني كل المعطيات والأرقام الخاصة بالإنتخابات عوض أن تتكلم عنها لجنة مستقلة أو مؤسسة منتخبة أو لجنة وطنية مشتركة، فالصوت الوحيد الحامل للنتائج يأتي على لسان القابع على كرسي الداخلية، وهذا الأخير ما هو الا ممثل وضمير للمخزن لا ممثل للأمة، ولا ممثلا منتخبا من طرف مؤسسات الأحزاب أو غيرها.
أما البرامج او الدعايات أو المسايرة للحملة الإنتخابية تقدمها شخصيات اعلامية موظفة في المؤسسات الإعلامية العمومية، لا تملك استقلالية الرأي ولا تملك استقلالية القرار والا تملك استقلالية الجرأة، إنما تقوم ( بتنشيط ) البرامج السياسية وفق المخطط المحدد من الدوائر المخزنية المسؤولة، كإحضار ممثلي الاحزاب للمشاركة في اللعبة الديموقراطية واقصاء كل الفعاليات السياسية الوطنية والحقوقية المخالفة للرأي الرسمي للدولة، علما ان الديموقراطية في شموليتها هي قبول الرأي المعارض.

أما توجيه الرأي الإنتخابي فهو يخضع لنمط وحساب الجهة القريبة لمركز القرار عبر اختيار وصلات اخبارية او اعلانات اخبارية تخدم التوجه المخزني وذلك عبر تكثيف الأنشطة الحكومية لشخصيات حكومية بالذات وكأنها توجد رسالة للناخبين على ان الشخص المشار اليه في هذه النشرات يبقى اقرب لؤولي القرار السياسي واولي الأمر في البلاد ( الحضور في مأدوبات سامية ، الحضور في المراسيم الدينية ، المشاركات في المهرجانات والإحتفالات الرسمية ... ) مما يوحي أن هذه الشخصيات الحاملة لرموز حزبية تبقى حاملة لرضى وعطف المخزن ولذلك تفتقد الموضوعية والحيادية في الإعلام العمومي، فكيف تقدم النشرات الإخبارية تجمعا حزبيا لحزب اغلبي وفي نفس النشرة تقدم اخبار عن أنشطة رسمية لوزراء هذا الحزب الأغلبي أو ذاك، في حين يقتصر الحجم الزمني لأحزاب أخرى في أحجام لا تتناسب والحياد الإعلامي العمومي سواء في إطار المتابعة لأنشطة الحزب او لرموزه وقياداته الحزبية، كل هذا يبين أن الإعلام العمومي متحكم فيه بقوة النفود المخزني، لا يمكن ان يزعزعه الدستور أو المرسوم أو القانون، وأقوى مثال عن ذلك العجز والفشل الدريع لوزير الإتصال والإعلام أمام جبروت وقوت نظراء القناتين العموميتين، مما يدل على أن ما هو ثابت في الإعلام وغير الاعلام هو قوة المخزن، وما هو متغير هم البيادق الذين يتم تغيير الوانهم وأشكالهم بين كل محطة وأخرى، وبذلك نصل الى قناعة ثابتة تقول: لا يمكن مجابهة المخزن ولا مقاومة ما دام انه يصنع الأحزاب ويصنع الإعلام.
بقلم أحمد مزوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق