الاثنين، 19 أكتوبر 2015

“يد العدالة المغلولة”.. أحيانًا! القضايا المجمدة في أدراج النيابة والمحاكم

 “يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين” عبارة قالها من يملك سلطة التشريع بشكل استثنائي ومؤقت الرئيس عبدالفتاح السيسي في عزاء النائب العام هشام بركات والذي اغتالته يد الإرهاب، وتناسي الرئيس أنه انتزع تلك السلطة في ظل غياب البرلمان وأصدر فعلياً منذ توليه رئاسة الجمهورية هو وسلفه عدلي منصور أعداداً كبيرة من التشريعات المقيدة للحريات، و
كأن العدالة الناجزة لن تتحقق إلا بمصادرة الحقوق والحريات الدستورية، والواقع أن العدالة في مصر غائبة لأن يدها مغلولة بسياسة الكيل بمكيالين وبمحاولات تطويعها لتستهدف فقط المعارضين السياسين علي اختلاف انتمائاتهم وأعمارهم.
 فبموجب قانون التظاهر الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، يقبع آلاف الشباب خلف القضبان، وبموجب قرار مد الحبس الاحتياطي أصبحت حالة الطوارئ مطبقة فعليا والاختلاف فقط في الشكل .
وترى الشبكة العربية أن العدالة الناجزة في ممارسات الدولة العملية هي تلك التي تستهدف المعارضين السياسيين وأصحاب الرأي، أما المتهمون بالفساد وسرقة اموال الشعب، والاعتداء علي حقوق الإنسان، فقد تظل قضاياهم والبلاغات المقدمة في حقهم مجمدة في أدراج المحاكم والنيابات لسنوات.
إن العدالة في مصر غائبة لأن يد الأجهزة الأمنية أصبحت تعلو علي يد العدالة، فالمحاكمات تجري تحت سيطرة هذه الأجهزة، في أماكن استثنائية مثل معهد أمناء الشرطة، وأكاديمية الشرطة، ومعسكرات الأمن المركزي، والسجون وأماكن الإحتجاز.
كما أن تحريات أجهزة الأمن التي قالت عنها محكمة النقض في حكمها  (نقض 17/3/1983 س 34 ص 392 رقم 79) “إنها وإن كان يمكن للمحاكم أن تعول عليها في تكوين عقيدتها باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة، إلا أنها وحدها لا تصلح أن تكون قرينة معينة أو دليلاً،” أصبحت سبباً كافياً لحبس آلاف الشباب احتياطياً لشهور أو لسنوات، وأبرزهم الصحفي محمود أبوزيد “شوكان” المحبوس منذ ما يزيد عن سنتين، في مثال بارز علي استخدام الحبس الإحتياطي كوسيلة للعقاب وبديل عن الإعتقال الإداري.
فضلا عن كل ذلك فالألاف من المعارضين السياسين يحاكمون أمام المحاكم العسكرية الاستثنائية والتي تصدر في حقهم قرارات سريعة بأحكام مشددة تصل الي حد الإعدام والمؤبد، ففي شهر أغسطس 2015 فقط، رصد تقرير محامون من أجل الديمقراطية صدور ٥ أحكام متنوعة من القضاء العسكري، أُدين فيهم ١١٤٣ مواطن! فيما يحاكم رموز الفساد أمام قضائهم الطبيعي.
إن العدالة بكل مكوناتها يرمز لها بالعمياء، لإنها لا يجب أن تري في تطبيقها الفرق بين مواطن وآخر مهما كان وضعه أو مكانته أو نفوذه، أو اقترابه من السلطة، والعدالة الناجزة التي تشير لها السلطات دائماً ما استهدفت أصحاب الرأي، الذين صدرت في حقهم أحكام سريعة بالإدانة في محاكمات مطعون في نزاهتها،  بينما ظلت أعداد لا تحصي من البلاغات حبيسة الأدراج، وأعداد أخري من القضايا ظلت لسنوات دون أن يتم الفصل فيها.
وكما سبق للشبكة العربية أن سلطت الضوء علي استخدام بعض ظواهر تغييب العدالة في تقارير سابقة، كاستخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة والكيل بمكيالين، فإنها في هذا التقرير ترصد أبرز الأمثلة علي القضايا المجمدة مع مقارنات سريعة بينها وبين قضايا ذات علاقة بها، تم نظرها سريعاً وبعضها صدر فيه أحكام.
أمثلة من القضايا المجمدة أمام القضاء
١ ) قضية قطع الاتصالات وشبكة الإنترنت خلال أحداث ثورة 25 يناير
          في يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 بدأت وقائع القضية حين تم قطع خدمة الاتصالات في محيط ميدان التحرير بدءاً من الساعة الرابعة عصرا وحتى فجر يوم الأربعاء 26 يناير 2011  ، ثم وفي فجر يوم الجمعة 28 يناير 2011 تم قطع كافة خدمات الاتصالات على شبكات التليفون المحمول من قبل الشركات الثلاث المرخص لها بالعمل في مصر (موبينيل، فودافون، واتصالات)، كما تم وقف خدمة الإنترنت لشركتي (تي إي داتا، ولينك نت).
وعلي أثرذلك تقدم عدد من محامي الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان باعتبارهم محامين و مجني عليهم، في يوم 23 فبراير 2011، ببلاغ للنائب العام قيد برقم 2193 لسنة 2011 يتهمون فيه وزير الاتصالات ورئيس الجهاز القومي للاتصالات وشركات الاتصالات الثلاثة و شركات تقديم خدمة الإنترنت، للمطالبة بالتحقيق مع الجميع باعتبارهم شركاء في جريمة قطع الاتصالات والمساهمة في الإضرار بالمجني عليهم وآخرين، وقام النائب العام المساعد “عادل السعيد” بتحويله لنيابة جنوب الجيزة ثم تنقل البلاغ بين أربع مقرات للنيابة العامة (نيابات جنوب الجيزة، أول 6 أكتوبر، جنوب القاهرة، ثاني 6 أكتوبر) وهو ما دفع محامي الشبكة للتقدم ببلاغ حول هذا التباطؤ في 3 مارس 2011، فقام النائب العام المساعد “عادل السعيد” بتحويل البلاغ إلى نيابة خامسة هي نيابة شمال الجيزة. وفي 9 مارس 2011 بدأ رئيس نيابة شمال الجيزة “محمود الحفناوي” التحقيق في البلاغ واستمع إلي أقوال المحامين ثم بدأت نيابة شمال الجيزة التحقيق مع شركات الاتصالات والإنترنت في مايو 2011 .
وفي 24 أغسطس 2011 توجه محامو الشبكة بناءً على موعد مسبق مع رئيس نيابة شمال الجيزة للحصول على نسخة رسمية من التحقيقات فأبلغهم بأن مكتب النائب العام قد سحب القضية منه للتحقيق فيها و في ديسمبر 2011، بالاستعلام من المستشار عادل السعيد “النائب العام المساعد” تبين إحالة القضية الى النيابة العسكرية في اكتوبر عام 2011 بطلب من النيابة العسكرية لتعلق ملف الدعوى بشخصية عسكرية على الرغم من ان ملف الدعوى كان معدا لإرساله الى محكمة جنح كرداسة بعد ان حمل رقم 9329 لسنة 2011  وفي  شهر يناير 2012 توصل محامو الشبكة الى أن الملف وصل الى النيابة العسكرية وقيد برقم 4 لسنة 2012/ إداري المدعي العام العسكري، وبناءً عليه تقدم المحامون بطلب الى النيابة العسكرية للاطلاع علي ملف القضية والحصول علي صورة رسمية منه إلا أن النيابة العسكرية رفضت ذلك الطلب. الأمر الذي دفع المحامين الى إقامة دعوى أمام محكمة القضاء الاداري، قيدت برقم 24258 لسنة 66ق، مختصمين كلا من المدعي العام العسكرى، ووزير الدفاع، وطالبين بصفة مستعجلة وقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تسليم صورة رسمية من أوراق القضية رقم 9329 لسنة 2011 جنح كرداسة، والمقيدة برقم 4 لسنة 2012 اداري المدعي العام العسكري، وبجلسة 17 / 2 / 2015 قضت محكمة القضاء الاداري بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى.
ومنذ ذلك الحين، وحتي الآن لازالت القضية  مجمدة وحبيسة أدراج القضاء العسكري، في ظل حالة من تغييب المعلومات المتعمد من قبل القضاء العسكري حول مصير القضية.
٢) قضية احداث مجلس الوزراء ( كمجني عليهم)
         علي خلفية إتهام ٢٦٨ متظاهر في قضية أحداث مجلس الوزراء خلال ديسمبر ٢٠١١ قامت النيابة العامة، بالإستماع الي أقوالهم كمجني عليهم  في المحضر رقم 7363 لسنة  2011 جنايات السيدة زينب، وتم إرفاق التقارير الطبية لكل متهم والتي تثبت الإعتداء على كثير منهم بالضرب والتعذيب  كما تم عرضهم على الطب الشرعى، إلا أن النيابة العامة قد أحالتهم للمحاكمة بصفتهم متهمين، وتجاهلت الإعتداءات التي تمت عليهم ولم تحيل أياً من رجال الأمن المتهمين بالتعذيب للمحاكمة.
الأمرالذي أدي الي قيام دفاع المتهمين في قضية مجلس الوزراء بتقديم طلب بضم هذا المحضر  للقضية لمحاكمة المتهمين بالإعتداء علي المتظاهرين من أجهزة الأمن، إلا أن المحكمة لم تستجب لطلب ضم المحضر الذي ظل حبيس الأدراج، وفي جلسة  3 سبتمبر 2014 بجلسة اعادة اجراءات المحاكمة فى القضية نفسها أعاد الدفاع طلبه السابق إلا أن القاضى لم يستجب واكتفى بأنه  مستعد لعرض المتهمين على الطب الشرعى،وذلك بالرغم من معرفته بأن أحداث القضية تعود الي عام 2011  والعرض علي الطب الشرعى الأن لا يفيد بشىء لإختفاء أى آثار للإصابات التى تعرض لها المتهمين، وحتي الآن لم يتم محاكمة أي من المسئولين عن الإعتداءات علي المتظاهرين.
         وفي المقابل قضت محكمة الجنايات في جلسة ٤ فبراير ٢٠١٥ علي المجني عليهم الذين تحولوا الي متهمين وآبرزهم أحمد سعد دومة الذي حكم عليه حضورياً بالسجن المؤبد، فيما صدر الحكم في حق الـ ٢٦٨ متهم الآخرين غيابياً بالعقوبة نفسها وذلك في القضية رقم ٨٦٢٩ لسنة ٢٠١١ جنايات السيدة زينب وقيدت برقم ٣٥٢٨ لسنة ٢٠١١ كلي، والتي اتهموا فيها بالتجمهر واستعراض القوة.
٣) قضية الفساد المتهم بها اسماعيل سراج الدين
         تقدم عدد من العاملين بمكتبة الاسكندرية بالبلاغ رقم 71 لسنة 2011 حصر تحقيق أموال عامة الإسكندرية ضد إسماعيل سراج الدين رئيس مكتبة الإسكندرية للمطالبة بالتحقيق معه بتهمة الفساد المالي، وإهدار المال العام، وقامت النيابة العامة بإحالته للمحاكمة الجنائية بتهمة إهدار ملايين الجنيهات من المال العام وإساءة استخدام السلطة  من خلال إبرامه لتعاقدات مع مستشارين برواتب مبالغ فيها، وذلك في القضية رقم ٨٤١١ لسنة ٢٠١٢ جنح باب شرق، وفي   يونيو ٢٠١٢ قررت محكمة جنح باب شرق برفع اسم اسماعيل سراج الدين من قوائم الممنوعين من السفر، ومنذ ذلك الحين وحتي الآن لازالت القضية مؤجلة لورود تقرير الخبراء.
         وفي المقابل أصدرت محكمة جنح باب شرق في جلستها التي عقدت في ٣١ مايو 2015 حكماً فى القضية التي لفقها اسماعيل سراج الدين لـ18 من العاملين بمكتبة الاسكندرية من بينهم الكاتب الراحل “محمد يسري سلامة” بمعاقبة 10 من العاملين بالسجن لمدة عام وتغريمهم ألفي جنيه وقضت ببراءة 8 أخرين على إثر اتهامهم بالتظاهر والتجمهر وتعطيل العمل وسب وقذف المدعي.
4) قضية احداث ماسبيرو:
         تقدم محامو المدعين بالحق المدني في قضية “أحداث ماسبيرو” بمذكرة الى المستشار ثروت حماد قاضى التحقيق المنتدب من وزارة العدل فى البلاغات المقدمة من 3618 وحتى3637 لسنة 2012 بلاغات النائب العام ضد كل من المشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامى عنان واللواء حمدي بدين مدير الشرطة العسكرية السابق واللواء اسماعيل عتمان واللواء إبرهيم الدماطي واللواء حسن الرويني وذلك بشأن قضية أحداث ماسبيرو أثناء الفترة الانتقالية، وعدد من البلاغات تقدمت بها حركة 6 ابريل في نفس الاحداث والتي وصلت نحو 200بلاغ تتهم فيه عددا من قيادات المجلس العسكري بالتسبب في الحوادث وتعريض المتظاهرين للخطر والقتل والتقاعس عن حمايتهم.
وفي تلك القضية التي حملت رقم ٥٤٤١ لسنة ٢٠١١ جنح شرق عسكرية، صدر حكم غيابي بتاريخ ١٧ مايو ٢٠١٢ في حق ثلاثة جنود بالحبس لمدة سنتين. بينما لا يزال مصير المذكرة التي تقدم بها فريق الدفاع ومئات البلاغات المقدمة ضد القيادات، مجهولا، ولازالت حبيسة الأدراج.
٥) بلاغ أحداث ماسبيرو ضد وزير الإعلام:
         بتاريخ 12 أكتوبر 2011 تقدمت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بصفتها وكيلاً عن مينا ممدوح موريس ببلاغ الى النائب العام حمل رقم 10412 لسنة 2011 بلاغات النائب العام ضد السيد “اسامة هيكل” بصفته وزير الإعلام بشأن نشر التليفزيون المصري بتاريخ 9 أكتوبر 2011 بيانات واخبار من شأنها الحض على الكراهية والتحريض على العنف ضد المصريين الاقباط، خلال مسيرة سلمية نظمها مجموعة من المصريين الاقباط وتوجهوا بها الى مبنى الإذاعة والتليفزيون ماسبيرو، وبمجرد وصولهم الى تلك النقطة بدأت اشتباكات من جانب أفراد القوات المسلحة وعدد من المشاركين، فخرج عدد من المذيعين على شاشات التليفزيزن الرسمي للدولة يطالبون الشعب المصري بالوقوف بجانب القوات المسلحة ضد الأقباط ونشر التليفزيون بيانات وأخبار كاذبة عن وجود حالات وفاة في صفوف الجيش المصري من جراء إطلاق النيران من جانب المصريين الاقباط، قيد هذا البلاغ برقم 23 لسنة 2011 حصر تحقيق استئناف القاهرة، وتم سماع اقوال مقدم البلاغ بتاريخ 27 /11 / 2011 وبعد ذلك لم يتم إتخاذ أي إجراء في القضية التي مازالت حبيسة أدراج النيابة العامة حتي الآن.
٦) قضية السب العلني المقامة من اسراء عبد الفتاح ضد مرتضي منصور
         في يوم ٢٦ نوفمبر 2011 قام مرتضي منصور رئيس نادي الزمالك الحالي بمداخلة في برنامج “مصر الجديدة” الذي يذاع علي قناة الحياة ٢  ووجه خلال مداخلته تهديدا بالضرب وقرنه بالسب العلني ضد الناشطة اسراء عبد الفتاح خلال مداخلته الهاتفية في تلك الحلقة من البرنامج وذلك علي مرأي ومسمع من ملايين المشاهدين بأن قال لها “هاديكي بالجزمة وميشرفنيش إني أدخل معاكي علي الهوا”
وعلي أثر ذلك قامت اسراء عبد الفتاح برفع  جنحة مباشرة ضد مرتضي منصور تتهمه فيها بالسب العلني والتهديد والتحريض ضدها وقيدت الجنحة برقم 4409لسنة 2012 أمام محكمة جنح العجوزة وتحددت أول جلسة لنظر القضية في ٦ سبتمبر ٢٠١٢ وتم تداول القضية بالجلسات.
وقررت المحكمة ندب خبير في القضية وتفريغ محتوي الحلقة المذاعة وأجلت القضية لورود تقرير الخبير ومازالت الدعوي مؤجلة للتقرير منذ ذلك الحين وحتي الآن.
٧) قضية أحداث الحرس الجمهوري:
         في فجر يوم ٨ يوليو٢٠١٣ نشبت اشتباكات بين قوات الأمن المصرية وعدد من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وتحالف دعم الشرعية المعتصمين بمحيط دار الحرس الجمهورية، علي أثر قيام اجهزة الأمن بفض اعتصامهم بالقوة، مما أدي الي  سقوط نحو ٦١ مواطن كان من بينهم الصحفي أحمد عاصم، وأصيب ما لا يقل عن ٤٣٥ مواطن، وفيما تم القبض علي نحو ٦٥٤ وتحرير القضية رقم ٩١٣٤ لسنة ٢٠١٣ جنح قسم شرطة مصر الجديدة والمقيدة برقم ٤١٤ لسنة ٢٠١٣ حصر تحقيق في حقهم وذلك بتهم التجمهر، وتكدير السلم العام، والبلطجة وإستعراض القوة، وقرر المحامي العام الأول لنيابات شرق القاهرة حبس ٢٠٠ متهم منهم احتياطياً وإخلاء سبيل ٤٥٢ آخرين بكفالة مالية وجميعهم من المعتصمين.
وفي أكتوبر ٢٠١٤ قررت النيابة العامة إحالة التحقيقات في القضية الي المحكمة العسكرية، ومازالت القضية منظورة أمام القضاء العسكري.
وفي المقابل لم تلتفت النيابة العامة الي القوة المفرطة التي استخدمتها أجهزة الأمن، ولم تحقق معها في قيامها بفض الإعتصام بالقوة، و تجاهلت التحقيق في إدعاءات جماعة الإخوان بقيام أجهزة الأمن بقتل المعتصمين وإطلاق النيران عليهم حتي وقتنا الحالي ليظل المسئول عن مقتل العشرات و إصابة المئات بلا عقاب.
٨) قضية فض إعتصام رابعة العدوية :
في يوم 14 أغسطس 2013 قامت قوات الامن المصرية بمهاجمة ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر لفض اعتصام انصار الرئيس الاسبق محمد  مرسي، بإستخدام القوة المفرطة الامر الذي نتج عنه سقوط نحو 800 قتيل واصابة الألاف، وقامت قوات الأمن بالقبض على اكثر من 700 شخص من مقر الإعتصام عشوائياً وكان بينهم الصحفي محمود شوكان، وبرغم كل الإفراط في استخدام القوة من قبل أجهزة الأمن في مواجهة المعتصمين وسقوط كل هذه الأعداد من المصابين والقتلي، إلا أن النيابة العامة تجاهلت مطالب فتح تحقيق مع المسئولين عن قرار فض الإعتصام، والمسئولين عن الإفراط في القوة لهذا الحد، وحتي وقتنا الحالي لم يتم مسألة أي منهم قانونياً.
         وفي المقابل  مثل المقبوض عليهم للمحاكمة في القضية رقم 15899 لسنة 2013 جنح مدينة نصر وتمت احالتهم الى المحاكمة الجنائية بعد أكثر من سنتين علي إلقاء القبض عليهم.
٩) البلاغ المقدم من مي سعد ضد المقدم عماد طاحون
         في يوم 28 إبريل 2014 تقدمت المواطنة مي محمود سعد ببلاغ الى نيابة قصر النيل تتهم فيه المقدم عماد طاحون بالتعدي عليها بالضرب اثناء وقفة احتجاجية نظمتها مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية” والتى عرفت باحداث مجلس الشورى وقامت بالادعاء المدني قبل الضابط، وقيدت برقم 24 لسنة 2014 صور منسوخة من القضية رقم 7986 لسنة 2013 جنح قصر النيل وتم سماع اقوالها امام مدير النيابة بتاريخ 15 / 6 / 2014 ولم تتخذ النيابة أي إجراء أخر فى القضية حتى الآن.
         وفي المقابل أحيل ٢٣ من النشطاء الذين شاركوا في الوقفة وعلي رأسهم الناشط علاء عبدالفتاح للمحاكمة الجنائية في القضية رقم  12058 لسنة 2013 جنايات قصر النيل وفي جلسة ٢٣ فبراير ٢٠١٥  قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة المتهمين الاول والثانى بالسجن لمدة 5 سنوات ، ولباقى المتهمين بالسجن المشدد لمدة ثلاثة سنوات ووضعهم تحت المراقبة لمدة مماثلة.
١٠)  قضية أحداث الدفاع الجوى:
         تقدم عدد من اهالى المقبوض عليهم فى قضية ” استاد الدفاع الجوى” ببلاغ للنائب العام “هشام بركات” اتهموا فيه ضباط الشرطة ومباحث قسم شرطة أبو النمرس بتعذيب أبنائهم وصعقهم بالكهرباء لإجبارهم على الاعتراف بأنهم تقاضوا أموالا من جماعة الاخوان المسلمين للمشاركة في أحداث مذبحة الدفاع الجوي التي شهدها محيط ستاد الدفاع الجوي في يوم ٨ فبراير ٢٠١٥ وقتل خلالها ٢٢ مواطن مصري  وقيد البلاغ بمحضر رقم 4584 جنح مدينة نصر أول.
فيما تقدم المحامي الحقوقي طارق العوضي ببلاغ الى النائب العام يتهم فيه كلا من وزير الداخلية وقائد قوات امن استاد الدفاع الجوي ومرتضى منصور رئيس نادي الزمالك بقتل مشجعي نادى الزمالك “التراس زمالكاوي” داخل استاد الدفاع الجوي، إلا أن النيابة العامة لم تفتح أي تحقيق في تلك البلاغات، ولم تحيلها للمحاكمة الجنائية حتي وقتنا الحالي، ولازالت البلاغات حبيسة أدراجها.
         وفي المقابل يمثل ١٦ من مشجعي النادي الزمالك والمحبوسين إحتياطياً للمحاكمة الجنائية بعد تحرير المحضر رقم ٤٥٨٤ لسنة ٢٠١٥ جنح أول مدينة نصر في حقهم، وإتهامهم بالقتل والشروع في القتل والتجمهر واستعراض القوة، ليتحولوا من مجني عليهم لمتهمين، وقيدت قضيتهم برقم ٣٠٦ لسنة ٢٠١٥ كلي شرق القاهرة، ولازالت متداولة وتحددت الجلسة القادمة لنظرها في ١ أكتوبر ٢٠١٥.
١١) الطعن بعدم دستورية قانون التظاهر
         في يوم السبت ١٣ سبتمبر ٢٠١٤ تقدم المركز المصري للحقوق الإقتصادية والإجتماعية بطعن علي دستورية المواد ٨ و ١٠ من القانون رقم 107 لسنة ٢٠١٣ “قانون التظاهر” وذلك بعد أن صرحت محكمة القضاء الإداري بالطعن دستوريا علي المواد المذكورة بعد القضية المرفوعة امامها ضد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ومحافظ القاهرة ومأمور قسم حدائق القبة، بعد منع مظاهرة ضد الغلاء.
وفي ٢٦ نوفمبر حددت المحكمة الدستورية العليا أولي جلسات الطعن بتاريخ ١٤ ديسمبر ٢٠١٤ للعرض علي المفوضين، وبعد ذلك تم حجزها لإصدار تقرير المفوضين، ومنذ ذلك الحين والقضية مجمدة ولم يصدر تقرير المفوضين بشأنها.
خاتمة
عرضت هذه الورقة عددا محدودا من الأمثلة لقضايا مجمدة. ونعني بها الدعاوى القانونية التي لم تعلن جهات التحقيق أو دوائر المحاكم عن أسباب توقفها أو نظرها في مرحلة معينة ولا تصل بها إلى واحدة من النهايات الطبيعية المتوقعة لها، وهي إما الحفظ المسبب من قبل النيابة، أو رفض الدعوى لأسباب محددة أو مداولتها والفصل فيها من قبل المحكمة. ففي كافة ما سبق عرضه من حالات، تم تعليق المسار القانوني للدعوى دون اتخاذ إجراء قانوني نهائي بشأنها، فهي بذلك دعاوى خاملة في أوراقها المحفوظة بعناية في الأدراج في انتظار إجراء لا يعلم أحد متى يتخذ وإذا ما كان سيتخذ أصلا.
ويمكننا أولا أن نلاحظ أنه لم تنفرد جهة قضائية بعينها بأن تكون طريقا مسدودا تذهب إليه الدعاوى لتدخل في غيبوبة غير محددة النهاية. فبعض الدعاوى تبقى مجرد بلاغات للنيابة العامة، وبعضها تشرع النيابة في التحقيق فيها ثم لا يتم حفظها أو إحالتها للمحكمة، وبعضها يحال إلى المحكمة ثم لا يحدد لها موعد لبدء جلساتها، وأخيرا يتم نظر بعض القضايا وتداولها في عدة جلسات ثم تتوقف المحكمة عن نظرها فتظل جلستها التالية مؤجلة لمدى غير معلوم. ولا يوجد في الواقع نمط ثابت يربط بين نوع الدعوى وبين النقطة التي تتوقف جهة قضائية ما عندها عن التعامل معها. وتتعلق هذه النقطة عادة بظروف كل قضية وبالمناخ السياسي السائد في الفترة الممتدة من دخولها إلى دورة التعامل القانوني وحتى لحظة موتها الاكلينيكي في الأدراج.
النوع الأكثر بروزا بين القضايا المجمدة هو ذلك الذي تكون فيه المؤسسات الرسمية للدولة طرفا متهما بإرتكاب جرائم ضد مواطنيها. وتاتي في مقدمة هذه المؤسسات وزارة الداخلية، والقوات المسلحة وبصفة خاصة في إطار المواجهات التي نشبت عند تدخل قوات تابعة للمؤسستين لفض تظاهرات أو اعتصامات. ويدخل في هذا النوع البلاغات المقدمة من مواطنين ضد ضباط أو أفراد بعينهم بالشرطة أو القوات المسلحة. ويشمل هذا النوع كافة الحالات التي كان نمط التجميد فيها يتعلق بجانب يتم إهماله عمدا من أحد القضايا المنظورة. ففي هذه القضايا يؤخذ دائما بادعاءات المؤسسات الرسمية الموجهة ضد مدنيين، وتصاغ الاتهامات وفق هذه الادعاءات في حين يتم إغفال دعاوى ودفوع المتهمين وغيرهم والتي تتهم أفراد الشرطة أو القوات المسلحة باستخدام القوة المفرطة وقتل وإصابة مواطنين. وينجم عن ذلك أنه في بعض القضايا يكون هناك ضحايا بين قتلى أو مصابين دون توجيه الاتهام إلى أي جهة بأنها مسؤولة عن قتلهم أو إصابتهم، وفي قضايا أخرى يتم توجيه الاتهام بالمسؤولية عن قتل وإصابة الضحايا إلى متظاهرين ومعتصمين كانوا على الجانب نفسه الذي انتمى إليه الضحايا، وهو ما يتنافى مع المنطق بشكل واضح.
يأتي تاليا بين أنواع القضايا المجمدة تلك التي تتناول ادعاءات بالفساد ضد مسؤولين بالدولة، أو اتهامات مختلفة ضد شخصيات معروف عنها القرب من السلطة أو أحد مؤسساتها. ويمثل هذا اسباغا للحصانة ضد المساءلة القانونية لا تشمل مسؤولي الدولة وحدهم بل تتخطاهم إلى من تحسبه بعض مؤسسات الدولة عليها بشكل أو بآخر مما يتيح لهؤلاء نفوذا أوسع في المجتمع ويهدر حقوق من يستهدفونهم بأي نوع من الانتهاكات التي يفترض أن يعاقب القانون مرتكبيها.
النوع الثالث والأخير من القضايا المجمدة هو ذلك المتعلق بالطعون على دستورية القوانين. وهو في الحقيقة النوع الأكثر خطرا والأوسع أثرا. فهو أولا يسهم في هدم حاكمية الدستور للتشريع وبالتالي يجمد الدستور نفسه ويبقي مواده منعزلة في أوراقها ودون أثر في الواقع. وهو ثانيا يتسع أثره دون تمييز ليشمل كل الحالات التي يتم فيها تطبيق القانون المطعون في دستوريته. وهو بذلك يغل يد العدالة عن أن تتخذ سبيلها الصحيح لاقرار العدالة أو يفتح الباب للتوسع في صدور احكام جائرة نتيجة وجود قوانين غير دستورية ومعادية لحقوق الانسان.
القضايا المجمدة بانماطها وأنواعها التي تعرضنا لها سبقا هي في النهاية تمثل تشوها لجسد العدالة، تجتمع فيه عدة عوامل تفرغ العدالة من محتواها وتحول دون قيامها بدورها في حماية استقرار المجتمع. ولذا فإن هذه الظاهرة تتخطى تضييع حقوق الأفراد المرتبطة بكل حالة من حالاتها على حدة كما تتخطى ضياع حق المجتمع في كل قضية بذاتها إلى إهدار حق المجتمع في جهاز عدالة يعمل باستقلالية وتجرد، وهو حق يمثل ركنا ضروريا من أركان أمن المجتمع واستقراره وسيادة القانون فيه. وبصفة خاصة تكشف هذه الظاهرة أن أي حديث عن الحاجة إلى عدالة ناجزة وأن أي تشريع يتم إصداره بزعم تحقيق الوصول إلى هذه العدالة الناجزة، هو بالضرورة خطاب سياسي يكيل بمكيالين ويصرف الأنظار عن واقع تستخدم فيه آليات التقاضي كأدوات سياسية توزع الثواب والعقاب حسب القرب من السلطة أو البعد عنها ، وتضرب بقاعدة الحق في المساواة أمام القانون عرض الحائط.

 “يد العدالة المغلولة” .. أحيانا pdf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق