بلعيد أزيكو خيمة شعرية متنقلة بعبق وتخوم الصحراء المغربية
الحسن البوعشراوي…
“بلعيد ازيكو”
هذا الاسم المعروف في الجبال والسهول في الصحاري والبراري ، اسم لم يأتي
سهوا من السماء او مظلة نزلت من طائرة عشواء ، بل هو مطابق لشخص شاعر همام
ضرغام ، نغم بشعره الغادي والساري ،صاحب اللكنة الحسا نية الأصيلة والتي لا
يحبا بها الا من ألهمه الله هبات لا تنعى بثمن ، بل فطرة وإلهاما فياضا
ينساق مع التعابير المرصوصة والمفصلة عن تلقائية وبدون تصنع ولا تملق،
منبعثة من وجدان جياش ، فقد كسب من الصحراء فصاحتها البارزة الكلمات
والمنقحة في الأسلوب والصياغة المدندنة بنغماتها التي تزرع في النفوس هبة
لا تطاق، أخد من أبناءها الأصليين الشهامة بنبلها وأخلاقها ووظفها كإكليل
إكسيره تاج مرصع بالوفاء والكرم والتربية الحسنة ، لباسه دراعة فضفاضة
وفرواله دو اللون الأسود الحالك ، وبهندامه الصحراوي الأصيل حتى لقبوه
“السلطان الأزرق “، سواكه يلوكه بين أسنانه وبكل براعة وتحراك يتفنن في
علكه ، لا يفارقه في جلوسه ولا تحركاته متشبثا بوصايا الرسول (ص) ،كلامه
موزون كله حكم وعبر تندر بان الشخص راكم تجارب عدة في حياة البداوة .
عرق “بلعيد زيكو” من صلب رجل
مقاوم معروف “الحاج محمد زايكو” هذا الاسم مرصع في ذاكرة اهل قبيلته
لانه بصم بطولات ضد المستعمر أيام زمان ،ينتمي الى “ايت اوسى” الصحراوية
المناضلة قبيلة نسب اسمها من تلك العين الجارية صاحبة القصة الخرافية
العجيبة ومراجيها المخضرة المعطاء ، قبيلة خرج من افخادها رجال لا توزن
بثمن ، سقموا السواقي وأسسوا قانون ايت الربعين ولازموه لوقت غير اليسير ،
برهنوا بالشجاعة والبسالة على أنهم أناس لا يقبلون الاستعباد والعيش تحت
الذل والهوان ، بصموا بمداد ظاهر في التاريخ المغربي بكسبهم عدة معارك ضد
المستعمر الغاشم اظهروا عن ملاحم وبطولات أرخها المؤرخون ودونها اللاحقون .
رغم ترحال شاعرنا مع أهله من
الصحراء في اتجاه مراعي السوس بحثا عن الماء والمرتع ليلبي حاجيات ماشيته
وإبله ، ورغم تبدال الأوكار فعائلته لا زالت محافظة متشبثة بتلك اللمة
العجيبة وجلسة الشاي التي لا تفارقها الجيمات الثلاث ،متعاونة في الشادة
والفادة مع أفراد القبيلة ،فهي عادات وتقاليد ورثوها عن الأسلاف والأجداد
، لا زالوا يعظون عليها بالنواجذ ، فبالعيد من الأبناء الأبرار، إن جلس في
مجلس أعطى الكلام الموزون وصغت له الأذان لعلها تحضي بكلام ليس كالكلام
،تلقاه في كل محفل بوجهه البشوش مساهما بالرأي والمشورة السديدة ،فهو إنسان
بارع في نقر آلة الكدرة ، تجده داخل الدائرة المستديرة للعب رقصة “الكدرة”
وهو يحوم بلباسه الصحراوي داخل الكارة و ينقر على الإناء الأزلي العجيب
بنقرات متقطعة يصدر ترانيم تدب في الحضور وتعطي لحاميها انسياقا عجيبا ،
كل مرة يغير الضرب او يصرخ بكلمات مدوية رنانة تجعل لاعبي الكدرة ينصاعون
بحركات ايحاحية عجيبة ، وبجوار النكار ترقص فتاة ذات قد مبشوق مرصعة بالحلي
والحلل ، وعطرها يفعم المكان برائحة المسك والريحان ، تشير بأصابعها
وسبحان الخالق المتعال الذي سوى ،تتماشى في حركاتها مع الكلمات والدق على
آلة الكدرة ، وبين شوط وشوط يتناول شاعرنا الناي ويسمى بالكصبة ، وغالبا هو
صانعها من عود القصب ، لينفخ ويسوط فيها ويجعلها تخرج نغما يعيدنا إلى
أفلام و قصص ” شرتات ” الأسطوري الذي جسدوه المهتمون والباحتون في ذالك
الصحراوي ابن بيئته و المحب لأرضه ورماله ونوقه .
ورغم البداوة التي طغت على
مراحل حياته شاعرنا “زايكو” ورغم سلوكه وانزوائه وابتعاده لمدة عن الأنظار
، خرج شاعرنا من صمته وانشأ الشعر والكلام الموزون وأعطى المعاني في
قصائد مشهورة ومعروفة ، شارك بشعره في عدة سهرات ومحافل عدة ، وكانت حنجرته
الذهبية الجياشة تناغي أوتار الغادي والبادي ، ليبدع الكلام المنثور الذي
يختاره ليجعل منه مادته ، فمرة تراه يبرمه وتارة يغزله وتارة يخففه في
مكان ما ، كما قد يثقله في مكان آخر و يقدع فيه و يفلق حتى يستخرج منه ذلك
الكلام المبعثر جسما متكاملا لا يقبل النقص و لا الزيادة و يحتل مكانه بين
سائر المخلوقات لذا نجد عنده الشعر الجميل و القبيح و الطويل و القصي
،.شارك في عدة إذاعات وقنوات تليفزيونية وانسل الى القلوب عبر الأثير وبدون
استئذان ، حتى ألفه من في الوادي والجبال والبراري ، وأصبحت قصائده يعد
لها الف حساب ، سجلت في اسطوانات وزممت في كتيبات لتكون مرجعا لمن له علم
بالحكم وفهم الكلام الموهوب .
فشاعرنا الآن يقطن حقول منطقة ”
الكدية البيضاء ” بنواحي هوارة ، مرافقا لإبله من الصباح الى المساء ،
متشبثا برعيها بكل وفاء وعهد دون نكران ،روح البداوة تسري في عروقه وتجري
فيه مجرى الدم بتلك النخوة الصحراوية الحسانية الفذة ، يعتبر عضو فعال
داخل قبيلته ومنتمي لجمعيات مدنية المتنوعة المرامي والأهداف ، غرضه هو
خدمة الغير بكل روح وتلقائية ، بيته خيمة شعر الغنم ذات الأعمدة الثلاث
يتنقل بها بين المروج والمراعي بحثا عن كلا لماشيته وابله ، رغم ترحاله من
مكان الى مكان فزواره كثر لا يعدون ولا يحصون ، فعائلته معروفة بكرم
الضيافة ومحبين للخير وهذه هي الشيمة التي وصى عليها نبينا الرسول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق